-

قوة الطبيعة وتأثيرها في تحسين المزاج

قوة الطبيعة وتأثيرها في تحسين المزاج
(اخر تعديل 2024-10-25 04:37:03 )
بواسطة

إنَّ النشاطات الخارجية، سواء كانت نزهة في الغابات الكثيفة، أم تسلُّق الجبال الشاهقة، أم حتى مجرد التأمُّل بجانب نهر هادئ، تحمل في طيَّاتها قوة شافية قادرة على تحسين المزاج وتجديد الطاقة النفسية. هذه اللحظات التي نقضيها في أحضان الطبيعة ليست مجرد فترات استراحة؛ بل هي تجارب عميقة تعيد تشكيل نظرتنا للحياة وتمنحنا القدرة على مواجهة تحدياتها بروح متجددة ونفسٍ مطمئنة. تابعوا معنا هذا المقال لنعيد اكتشاف قوة الطبيعة وتأثيرها الساحر في حياتنا.

كيف تحسِّن الطبيعة مزاجنا؟

تُظهر الأبحاث أنَّ الطبيعة لها تأثيرات إيجابية كبيرة في صحتنا النفسية والجسدية. لذا، يُنصح بقضاء وقت في الهواء الطلق والاستمتاع بجمال الطبيعة لتحسين المزاج وتعزيز الرفاهية. وتوجد عدة طرائق لتحسِّن الطبيعة مزاجنا منها:

1. الشعور بالامتنان

يشير علماء النفس البيئي إلى أنَّ الوجود بالقرب من الطبيعة يعزِّز شعور الإنسان بالامتنان والتقدير لنِعَم الحياة. فكلَّما رأى الفرد جمال المعجزات الطبيعية من حوله، زادت رغبته الطبيعية في حمايتها والحفاظ عليها. وإنَّ قضاء الوقت في الهواء الطلق لا يقتصر فقط على الاستمتاع بالمناظر؛ بل يعزِّز أيضاً الوعي الحسي. فالتنفس في أحضان الطبيعة يجعلنا أكثر إدراكاً لما يحيط بنا، فنبدأ نلاحظ ما نراه، ونستمع إلى الأصوات، ونستشعر الروائح، ونتفاعل مع كل ما حولنا تفاعُلاً أعمق. هذه التجربة تعيد لنا التواصل مع أنفسنا ومع العالم، وهذا يثير شعوراً متجدِّداً بالتقدير والحب للطبيعة.
انترڤيو الحلقة 9

2. الشعور بالسعادة

تشير دراسات متعدِّدة إلى أنَّ الاتصال بالطبيعة له تأثير عميق في الشعور بالسعادة والرفاهية الذاتية. ووفقَ مجلة الجمعية الأمريكية للعلوم (Science Advances) في عام 2019، تؤثر الطبيعة تأثيراً إيجابياً في التفاعلات الاجتماعية للشخص ومشاعره العامة. وفي دراسة أجرتها المؤسسة الخيرية للصحة العقلية في إنجلترا وويلز (Mind)، أظهر 95% من المشاركين تحسُّناً ملحوظاً في مزاجهم بعد قضاء وقت في الهواء الطلق. تحوَّلت حالات الاكتئاب والقلق والتوتر إلى شعور بالهدوء والتوازن. كما تشير الأبحاث إلى أنَّ قضاء الوقت في الطبيعة أو حتى مجرد النظر إلى المناظر الطبيعية، يعزِّز من المزاج الإيجابي والرفاهية النفسية، وهذا يسلِّط الضوء على أهمية الطبيعة في حياتنا اليومية.

3. تخفيف الضغط

يُعدُّ الارتباط بالطبيعة من العوامل الأساسية التي تُقلِّل الشعور بالضغط والإجهاد. فعندما نتفاعل مع الطبيعة، سواء من خلال الخروج إلى الهواء الطلق أم حتى من خلال النظر إلى الصور التي تُظهر مناظر طبيعية أو بيئات حضرية، تُصبح لدينا القدرة على التعامل مع التوتر تعامُلاً أكثر فاعلية. ومع ذلك، ما تزال تجربة الخروج إلى الطبيعة تُعدُّ الخيار الأفضل، فهي تُوفِّر لنا فرصة للاسترخاء والتجديد الذهني.

عندما نكون في محيط طبيعي، نعزِّز من قدرتنا على التركيز ونستعيد توازننا النفسي. فالأشجار والأنهار والجبال تقدِّم لنا شعوراً بالهدوء والسكينة، وهذا يساعدنا على الابتعاد عن ضغوطات الحياة اليومية. كما أنَّ الانغماس في جمال الطبيعة يُشجِّع على التفكير الإبداعي ويُعزِّز من الروابط الاجتماعية، إذ يمكننا مشاركة هذه اللحظات مع الأصدقاء والعائلة.

4. تجاوز الألم

تُعدُّ الطبيعة أيضاً من العوامل الفعَّالة في تعزيز قدرة الإنسان على التغلُّب على الآلام. فمجرد النظر إلى الأشجار والنباتات والمياه يمكن أن يُشغل العقل ويشتت الانتباه عن مشاعر الألم والانزعاج. وتشير الدراسات إلى أنَّ المرضى الذين يتمتعون بإطلالة على المناظر الطبيعية مثل الأشجار في وجودهم في المستشفى، يتمكنون من تحمُّل الألم أكثر مقارنةً بأولئك الذين ينظرون إلى جدران فارغة.

هذا التأثير الإيجابي للطبيعة يعكس أهمية البيئة المحيطة بنا في تحسين جودة حياتنا. فتخفِّف المناظر الطبيعية التوتر وتُعزِّز الشعور بالراحة. وإنَّ إدراكنا لأهمية هذه العناصر الطبيعية قد يشجعنا على توفير بيئات أكثر انسجاماً مع الطبيعة، وهذا يعود بالنفع على صحتنا الجسدية والنفسية.

5. زيادة الانتباه والإبداع

في عصر التكنولوجيا الحديثة، يُحيط بنا تدفُّق مستمر من المعلومات في كل مكان، ويواجه الكثيرون إرهاقاً نفسياً وعقلياً. فلا يبدو أنَّ أدمغتنا مهيَّأة لاستيعاب هذا الكم الهائل من البيانات. لذلك يُعدُّ اللجوء إلى الطبيعة وسيلة فعَّالة لاستعادة التركيز والعودة إلى حالة صحية متوازنة. إضافة إلى ذلك، تُظهر الأبحاث أنَّ الطبيعة تُعزز الإبداع وقدرة الأفراد على حلِّ المشكلات.

تشير دراسات أجريت على الأطفال إلى أنَّ أولئك الذين يعيشون في بيئات غنية بالخضرة يتمتَّعون بقدرة أعلى على الانتباه. فقد قورِن أداء مجموعة من الأطفال الذين يقطنون قرب المساحات الطبيعية بأطفال آخرين يعيشون في بيئات حضرية مغلقة. فأظهرت النتائج أنَّ الأطفال الذين قضوا وقتاً في الطبيعة، خاصةً أولئك الذين يعانون من اضطرابات نقص الانتباه وفرط النشاط، أبدوا تحسُّناً ملحوظاً في أعراضهم بعد تفاعلهم مع البيئة الخضراء، مقارنةً بوقتٍ قضوه في أماكن مغلقة أو غير خضراء.

شاهد بالفيديو: 9 نصائح ذهبيّة لتحسين المزاج

دراسة عن تأثير الطبيعة في المزاج

يعد د. مايلز ريتشاردسون، رئيس قسم علم النفس في جامعة ديربي، أنَّ مشروع "30 يوماً من الحياة البرية" يحمل أهمية كبيرة، سواء من الجهة الإحصائية أم العملية. فقد شمل المشروع أكثر من 18,500 مشاركاً، التزموا بتنفيذ قرابة 300,000 سلوكاً مرتبطاً بالطبيعة، وكان الهدف منه هو تعزيز المشاركة الممتعة بدلاً من مجرد تحسين الصحة العامة.

يؤكِّد ريتشاردسون أنَّ تصميم الحملة وطريقة تقييمها استندت إلى منهجيات مجرَّبة، وهذا يعدُّ خطوة هامة في تقييم المبادرات الضخمة. وتشير الأدلَّة البحثية إلى أنَّ التفاعل مع الطبيعة يساهم في تخفيض ضغط الدم، ويخفِّف من مشكلات الجهاز التنفسي وأمراض القلب، كما يعزِّز النشاط ويحسِّن المزاج.

إضافة إلى ذلك، يُظهِر التفاعل مع الطبيعة تأثيراً إيجابياً في الصحة النفسية، مثل الحد من القلق والإرهاق الذهني وتحسين القدرة على التركيز. وقد وُجِد أنَّ شعور الفرد بأنَّه جزء من الطبيعة يرتبط ارتباطاً مباشراً بالشعور بالحيوية والسعادة والرضى عن الحياة. وهذا يُقلِّل من القلق المعرفي، ويشبِّه ريتشاردسون هذه العلاقات بأهمية الروابط المعروفة بين الرفاهية والسعادة، مثل الزواج والتعليم.

كما أظهرت التحليلات أنَّ الأشخاص الذين يرتبطون بالطبيعة يشعرون بمزيد من الرضى، بمستويات مشابهة لتلك الناتجة عن زيادة الدخل الشخصي. وحُدِّدت المسارات التي تعزز القرب من الطبيعة، مثل التواصل والإحساس بالمعنى والتفاعل مع الجمال الطبيعي.

لقد أثبتت النشاطات المرتبطة بهذه المسارات فاعليتها في زيادة الارتباط بالطبيعة، بالمقارنة مع النشاطات الفردية في البيئات الطبيعية أو الحضرية. ورغم ذلك، لم تُظهر النشاطات العلمية القائمة على المعرفة التأثير نفسه في تعزيز العلاقة بين البشر والطبيعة. ويشير ريتشاردسون إلى أنَّ البحث ما يزال في مراحله المبكِّرة، وثمة حاجة لفهم المسارات المثلى التي تناسب أنماط الشخصية المختلفة، فلا يوجد نهج واحد يناسب الجميع.

نشاطات للاستفادة من الطاقة الإيجابية للطبيعة

تؤثر البيئة الصحية تأثيراً كبيراً في حياتنا من خلال الطاقة الإيجابية التي نحصل عليها من عدة مصادر. فتمتُّعنا بمشاهدة المناظر الطبيعية، مثل غروب الشمس، والمساحات الخضراء، أو تساقط الثلوج، يمنحنا شعوراً بالسكينة والراحة. إضافة إلى ذلك، فإنَّ الاستماع إلى أصوات المياه، كالأنهار والشلالات وموج البحر، يعزِّز من طاقتنا الإيجابية، وهذا يفسِّر شعورنا بالراحة بعد مواجهة الظروف المناخية المختلفة.

كذلك لا يمكن تجاهل تأثير نور الشمس فينا. فالتَّعرض لأشعة الشمس يمدُّنا بشعور من الانتعاش والحيوية، سواء كان ذلك عن طريق التعرض الشخصي أم استخدام الشمس في تطهير المنزل والأغراض. ومن جهة أخرى، فإنَّ المشي حافي القدمين على التراب أو الرمال يساعد على تفريغ الطاقة السلبية من أجسادنا، وهذا يساهم في تحقيق توازن نفسي وراحة جسدية.

إضافةً إلى ذلك، أثبتت الدراسات أنَّ احتضان الأشجار لفترات قصيرة يمكن أن يحوِّل الطاقة السلبية إلى إيجابية، وهذا يحسِّن من الصحة العامة ويخفِّف من الاكتئاب والصداع. ويدعم هذا التأثير خصائص الذبذبات التي تبثها الأشجار. كما أنَّ التداوي بالأعشاب الطبيعية، سواء من خلال شرب مغلي الأعشاب أم استخدامها مباشرة على الجسم، يمثِّل وسيلة فعَّالة لمعالجة عدد من الأمراض. فمثلاً، مشروب اليانسون الساخن يُعدُّ خياراً ممتازاً للاسترخاء والنوم.

إنَّ الاحتكاك المباشر مع الطبيعة، من خلال إطعام الطيور والتفاعل مع الحيوانات، أو زراعة الزهور، يُحسِّن من أداء الدماغ، ويع